فِي صَبَاحِ اليَوْمِ التَّالِي، كَانَتْ أَجْوَاءُ "أَكَادِيمِيَّةِ حِفْظِ النِّظَامِ" مَشْحُونَةً بِالتَّوَتُّرِ. عُمَّالُ الصِّيَانَةِ كَانُوا لَا يَزَالُونَ يُصْلِحُونَ النَّوَافِذَ المُحَطَّمَةَ وَيُعِيدُونَ بِنَاءَ الجِدَارِ المُنْهَارِ. فِي قَاعَةِ الدَّرْسِ، جَلَسَ المُجَنَّدُونَ الجُدُدُ وَعَلَامَاتُ الإِرْهَاقِ بَادِيَةٌ عَلَيْهِمْ. "جَبَل" كَانَ يَضَعُ ضِمَادَةً كَبِيرَةً عَلَى إِصْبَعِهِ، وَ"بَارُود" كَانَ يُحَاوِلُ إِصْلَاحَ حِذَائِهِ النَّابِضِيِّ الَّذِي انْحَشَرَ فِي وَضْعِ القَفْزِ. دَخَلَ النَّقِيبُ "غَضْبَان" إِلَى القَاعَةِ، وَكَانَ غَضَبُهُ أَشَدَّ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ مَضَى. كَانَ يَضَعُ شَارِبًا مُسْتَعَارًا جَدِيدًا، لَكِنَّهُ كَانَ مَائِلًا قَلِيلًا، مِمَّا جَعَلَ مَظْهَرَهُ أَكْثَرَ إِثَارَةً لِلضَّحِكِ مِنْهُ لِلْخَوْفِ. صَاحَ النَّقِيبُ: "بِسَبَبِ الكَارِثَةِ الَّتِي أَحْدَثْتُمُوهَا بِالأَمْسِ، قَرَّرْتُ أَنْ أُلْغِيَ جَمِيعَ التَّدْرِيبَاتِ الخَارِجِيَّةِ! سَتَقْضُونَ بَقِيَّةَ الأُسْبُوعِ فِي تَعَلُّمِ القَوَانِينِ...
كَانَتْ شَمْسُ الصَّبَاحِ تُشْرِقُ بِأَشِعَّتِهَا الذَّهَبِيَّةِ عَلَى "مَدِينَةِ السَّلَامِ"، المَدِينَةِ الَّتِي افْتَخَرَتْ دَوْمًا بِشَوَارِعِهَا النَّظِيفَةِ وَحَدَائِقِهَا الغَنَّاءِ وَأَهْلِهَا المُسَالِمِينَ. لَكِنْ فِي الآوِنَةِ الأَخِيرَةِ، بَدَأَ هُدُوءُ المَدِينَةِ يَتَعَكَّرُ. فَجْأَةً، دَوَّى صَوْتُ مُحَرِّكٍ غَرِيبٍ فِي أَحَدِ الشَّوَارِعِ الرَّئِيسِيَّةِ، وَانْطَلَقَتْ سَيَّارَةٌ عَجِيبَةٌ عَلَى شَكْلِ فِطِيرَةٍ ضَخْمَةٍ تَسِيرُ بِسُرْعَةٍ جُنُونِيَّةٍ، وَمِنْ نَوَافِذِهَا المَفْتُوحَةِ، كَانَ رِجَالٌ يَرْتَدُونَ أَقْنِعَةَ طُهَاةٍ يَضْحَكُونَ بِصَوْتٍ عَالٍ. كَانَتْ هَذِهِ "عِصَابَةَ الفَطَائِرِ الطَّائِرَةِ". تَوَقَّفَتِ السَّيَّارَةُ أَمَامَ "مَخْبَزِ السُّنْبُلَةِ الذَّهَبِيَّةِ"، وَنَزَلَ مِنْهَا زَعِيمُهُمْ البَدِينُ الَّذِي كَانَ يَرْتَدِي قُبَّعَةَ طَاهٍ أَكْبَرَ مِنَ البَقِيَّةِ. صَاحَ الزَّعِيمُ بِصَوْتٍ كَالرَّعْدِ: "هَا هَا هَا! أَخْرِجُوا كُلَّ مَا لَدَيْكُمْ مِنْ كَعْكِ التُّفَّاحِ وَفَطَائِرِ الكَرِيمَةِ حَالًا!" ...